أنواع الشخصية النرجسية: كيف تميز النرجسي الذكي عن الغشيم والغبي؟
ــــــــــــــــــــــــ
بقلم ليلى سليم
![]() |
انفوجرافيك يوضح الفروق بين أنواع النرجسيين الثلاثة |
هل وجدت نفسك يومًا في دوامة من الحيرة أمام شخص يجمع بين التكبر المفرط والغباء الشديد؟ أو ربما تعاملت مع شخص آخر يمتص طاقتك بذكاء خبيث دون أن تمسك عليه غلطة واحدة؟ وربما صادفت النوع الثالث، ذلك الذي يكسر كل شيء حوله بتهور واندفاع كأنه ثور هائج في متجر خزف؟
الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن "النرجسية" ليست لونًا واحدًا، ولا قالبًا جامدًا يجمع كل المضطربين في سلة واحدة. النرجسية طيف واسع ومتعدد، وأخطر ما يمكن أن تفعله هو أن تستخدم سلاحًا واحدًا لمواجهة ثلاثة أعداء مختلفين تمامًا في التكتيك والتفكير.
في هذا الدليل النفسي والتحليلي، سنفكك شفرة الشخصية النرجسية ونقسمها إلى ثلاث فئات رئيسية لطالما سببت الخلط لدى الضحايا: النرجسي الذكي (الخبيث)، النرجسي الغشيم (المندفع)، والنرجسي الغبي (محدود القدرات). فهمك لهذه الفروق ليس مجرد معلومات عامة، بل هو درعك الحصين لحماية عقلك ومشاعرك من الاستنزاف.
هل يختلف النرجسيون في درجات الذكاء والمكر؟
نعم، وبشكل جذري. يشترك جميع النرجسيين في سمات أساسية مثل: تضخيم الذات، انعدام التعاطف، والحاجة المستمرة للوقود النرجسي (الاهتمام والمدح). ولكن، "كيفية" الحصول على هذا الوقود و"طريقة" التلاعب بالضحية تختلف بناءً على مستوى الذكاء العقلي (IQ)، والذكاء العاطفي، والقدرة على التحكم في الاندفاع.
هنا يكمن الفرق الجوهري:
- النرجسي الذكي: يخطط، يصبر، ويحبك المؤامرات.
- النرجسي الغشيم: يهاجم، يصرخ، ويفضح نفسه بتهوره.
- النرجسي الغبي: يكذب بسذاجة، يبالغ بشكل مضحك، ويسهل كشفه.
أولًا: النرجسي الذكي (الثعلب الماكر)
"أنا لا أترك أثرًا للجريمة، بل أجعلك تظن أنك الجاني"
هذا النوع هو الأخطر على الإطلاق، وهو ما يطلق عليه في علم النفس أحيانًا "النرجسي الخفي" أو "النرجسي السيكوباتي". إنه يتمتع بذكاء حاد، وقدرة عالية على قراءة مشاعر الآخرين (ليس للتعاطف معهم، بل لاستغلالهم).
كيف تعرف أنك تتعامل مع نرجسي ذكي؟
النرجسي الذكي لا يعلن عن نرجسيته. على العكس، قد يبدو في البداية الشخص الأكثر تواضعًا ولطفًا في العالم.
سيد التلاعب النفسي (Gaslighting):
أخطر سلاح لديه. يجعلك تشك في ذاكرتك وقواك العقلية. إذا واجهته بخطأ، سيقلب الطاولة بهدوء تام ليقنعك أنك أنت الحساس، أو أنك فهمت خطأ، أو أن الحادثة لم تقع
مثال: تكتشفين رسالة غرامية على هاتفه. عندما تواجهينه، لا ينكر ولا يغضب، بل ينظر إليك بحزن ويقول: "هل وصل بك الشك لدرجة التجسس؟ أنا كنت أحاول مساعدتها في مشكلة نفسية لأنني أشفق عليها، لكن يبدو أن غيرتك المرضية تدمر كل شيء جميل بيننا". تنتهي المحادثة وأنتِ تعتذرين له.
الصبر الاستراتيجي:
يستطيع التخطيط للانتقام لسنوات. لا يندفع برد فعل غاضب فوري إذا أهنته، بل يبتسم، ويخزن الموقف، ويضربك في وقت تكون فيه في أضعف حالاتك.
صناعة السمعة المثالية:
أمام المجتمع، هو الملاك البريء. يتبرع للجمعيات، يساعد الجيران، ومحبوب في العمل. هذا التلميع للصورة هو خط دفاعه الأول، بحيث لو اشتكيت منه، سيتهمك الناس بالجنون والجحود.
تجنيد "القرود الطائرة":
النرجسي الذكي لا يوسخ يديه. يستخدم الآخرين لمحاربتك نيابة عنه، عن طريق نقل كلام مغلوط أو لعب دور الضحية أمامهم، ليقوموا هم بمهاجمتك.
كيف تتعامل مع النرجسي الذكي؟ (بروتوكول الحماية القصوى)
التعامل معه يشبه لعب الشطرنج مع محترف، أي خطوة خاطئة ستكلفك الكثير.
١) إياك أن تخبره أنك عرفت حقيقته. إذا واجهته بأنه "نرجسي"، سيطور أساليبه ليصبح أكثر خفاءً. تظاهر بالغباء والرضا بينما تخطط للانسحاب.
٢) النرجسي الذكي يعتمد على تزييف الحقائق. احتفظ بسجل للمحادثات، سكرين شوت، إيميلات، وحتى مذكرات صوتية لنفسك. هذا ليس للشرطة، بل لعقلك أنت حتى لا تقع فريسة للتشكيك.
٣) استخدم تقنية "الصخرة الرمادية". كن مملًا، لا تشاركه أسرارك، لا تظهر غضبك أو حزنك أمامه. هو يقتات على مشاعرك، فإذا جفت المشاعر، سيبحث عن ضحية أخرى.
٤) لا تبرر ولا تدافع: (تقنية J.A.D.E) لا تبرر (Justify)، لا تجادل (Argue)، لا تدافع (Defend)، لا تشرح (Explain). قل "لا" واصمت. أي كلمة زيادة سيستخدمها ضدك.
ثانيًا: النرجسي الغشيم (الثور الهائج)
"أنا أريد كل شيء الآن، وليحترق العالم!"
النرجسي الغشيم (أو المندفع) قد يمتلك ذكاءً أكاديميًا أو مهنيًا، لكنه "غشيم" اجتماعيًا وعاطفيًا. مشكلته الكبرى هي انعدام السيطرة على الانفعالات. إنه يفضح نفسه بنفسه بسبب رعونته.
كيف تميز النرجسي الغشيم؟
الصوت العالي والدراما:
لا يعرف الهدوء. يعتقد أن الصوت العالي هو وسيلة السيطرة. يفتعل المشاجرات في الأماكن العامة، يصرخ على النادل في المطعم، ويحرجك أمام عائلتك دون تفكير في العواقب.
الاندفاع التدميري:
إذا شعر بتجاهلك، قد يكسر هاتفك، أو يرسل 50 رسالة تهديد في دقيقة واحدة، أو يستقيل من عمله لمجرد أن المدير وجه له ملاحظة بسيطة. هو لا يحسب حساب الغد.
الوقاحة المباشرة:
بينما النرجسي الذكي يلمح بالإهانة، النرجسي الغشيم يوجهها لك في وجهك: "أنت سمين"، "أنت فاشل". هو يظن أن هذه "صراحة" وقوة شخصية.
سرعة كشف الأكاذيب:
يكذب، لكنه ينسى ما قاله قبل ساعة. يكذب كذبات يمكن كشفها بسهولة، وعندما يُحاصر، يثور ويغضب ويقلب الطاولة بالصراخ لا بالدهاء.
مثال: مديرك في العمل يصرخ عليك أمام الموظفين لأن المشروع تأخر، رغم أن التأخير سببه أنه هو نسي توقيع الأوراق. يسب ويشتم، ثم بعد ساعة يأتي ويطلب منك القهوة وكأن شيئًا لم يكن. الجميع يعرف أنه "مجنون" ويتجنبونه.
كيف تتعامل مع النرجسي الغشيم؟ (استراتيجية الترويض والحدود)
مشكلته أنه مخيف وموتر للأعصاب، لكنه أسهل في التعامل من الذكي لأنه مكشوف للجميع.
١) غضبه يتغذى على خوفك وارتباكك. إذا صرخ، انظر إليه ببرود وصمت تام لعدة ثوانٍ. هذا يربكه ويشعره بأنه يبدو أحمقًا.
٢) الغشيم يفهم لغة القوة. إذا أهانك، أوقفه فورًا وبحزم: "لن أسمح لك بالتحدث معي هكذا"، ثم غادر المكان. لا تدخل في نقاش، فقط ضع الحد ونفذه.
٣) لأنه غشيم، سيرتكب أخطاء كارثية أمام الشهود. لا تستر عليه. إذا صرخ في مكان عام، دعه يصرخ والناس تنظر إليه باحتقار. لا تحاول تهدئته، فصورته تهتز بنفسها.
٤) هو يلقي الكلام كالقنابل دون تفكير. اعتبره طفلاً كبيرًا في نوبة غضب. كلماته تعبر عن اضطرابه وليس عن حقيقتك.
ثالثًا: النرجسي الغبي (الممثل الفاشل)
"أنا عظيم... لكن لا أعرف كيف أثبت ذلك"
هذا النوع هو الأكثر إثارة للشفقة والسخرية في آن واحد. هو نرجسي يريد أن يكون محور الكون، لكن قدراته العقلية والتحليلية محدودة للغاية. يحاول تقليد النرجسي الذكي لكنه يفشل فشلاً ذريعًا.
سمات النرجسي الغبي التي تفضحه:
الكذب الساذج:
يكذب بشأن أشياء بديهية. يخبرك أنه اشترى سيارة فيراري وهو لا يملك ثمن تذكرة الحافلة. يدعي أنه يعرف شخصيات مشهورة، ولو سألته عن التفاصيل يتلعثم.
تقليد أعمى:
ليس لديه شخصية مستقلة. يقلد من يعتبرهم أقوياء في طريقة الكلام، اللبس، وحتى الحركات، لكنه يبدو كنسخة مشوهة ومقلدة (Fake).
سوء التقدير:
يعتقد أنه أذكى شخص في الغرفة بينما الجميع يضحكون عليه سرًا. يحاول التلاعب بك بطرق طفولية (مثل إخفاء مفاتيحك لتعود إليه) وتكون ألاعيبه مكشوفة جدًا.
الإلحاح الممل:
لأنه لا يملك مهارات اجتماعية، يطلب الاهتمام بالتسول: "ألا ترين أنني وسيم؟"، "لماذا لم تضع "لايك" على صورتي؟".
مثال: قريب لك يدعي دائمًا أنه خبير في الاستثمار، ويحاول إقناع العائلة بإعطائه أموالهم لمشروع وهمي. عندما تسأله عن دراسة الجدوى، يغضب ويقول: "أنتم لا تفهمون عقلية المليونير"، بينما هو عاطل عن العمل منذ سنوات.
كيف تتعامل مع النرجسي الغبي؟ (سياسة التجاهل والمسافة)
الخطر هنا ليس في دهائه، بل في "استنزافه" لوقتك وجهدك واحتمالية توريطك في مشاكل بسبب غبائه.
١) هو لا يملك الأدوات العقلية لاستيعاب المنطق. جدالك معه مضيعة للوقت. إذا قال "الأرض مسطحة وأنا اكتشفت ذلك"، قل له: "وجهة نظر مثيرة"، وأغلق الموضوع.
٢) النرجسي الغبي كارثة في المسؤوليات. سيعدك بالقمر ولن يحضر لك حتى حصاة. لا تسند له مهامًا، ولا تصدق وعوده.
٣) تعامل معه كما تتعامل مع الإعلانات المزعجة. اسمع ولا تنصت. ابتسم ولا توافق.
٤) النرجسي الغبي غالبًا ما يكون حسودًا جدًا لأنه يرى الجميع ينجحون وهو لا، رغم قناعته بأنه الأفضل. لا تشاركه نجاحاتك لأنه قد يحاول تخريبها بطرق بدائية ولكن مؤذية.
مقارنة سريعة: من هو الأخطر في الثلاثة؟
لترتيب الأوراق في عقلك، إليك هذا الملخص التحليلي:
- الأكثر تدميرًا للنفسية:
- الأكثر إزعاجًا وفوضوية:
هو النرجسي الغشيم. حياته عبارة عن سلسلة من الأزمات والكوارث والديون والمشاكل القانونية. العيش معه هو جحيم من التوتر المستمر.
- الأكثر استنزافًا للوقت:
هو النرجسي الغبي. يستنزف طاقتك في ترهات، ويحرجك اجتماعيًا بسذاجته، وقد يورطك في مشاكل مالية بسبب قراراته غير المدروسة.
هل يمكن لأي من هؤلاء أن يتغير؟
هذا هو السؤال الذي يراود كل ضحية. الإجابة قاسية ولكنها ضرورية:
النرجسية اضطراب في بنية الشخصية، وليست مجرد "طبع سيء".
النرجسي الذكي: يرفض العلاج لأنه يرى نفسه "إلهاً" فوق البشر، بل قد يستخدم المصطلحات النفسية للتلاعب بالمعالج نفسه.
النرجسي الغشيم: قد يذهب للعلاج إذا وقع في كارثة كبرى (سجن، طلاق، إفلاس)، لكنه غالبًا ما يمل بسرعة ويعود لطبعه.
النرجسي الغبي: لا يدرك أصلًا أن لديه مشكلة، ويعتقد أن العالم هو الذي لا يفهم عبقريته.
لذا، الرهان على تغييرهم هو رهان خاسر بنسبة 99%. الرهان الوحيد المربح هو الرهان على نفسك، وعلى قدرتك على وضع الحدود أو الرحيل.
بعد أن كشفنا الستار عن هذه الشخصيات الثلاث (النرجسي الذكي، الغشيم، والغبي)، أصبحت الكرة الآن في ملعبك. لم تعد تلك الضحية التي تسير في الظلام، بل أصبحت تمتلك "الخريطة".
تذكر أن القاسم المشترك بين هؤلاء الثلاثة هو حاجتهم الماسة إليك لتكون "الوقود" الذي يحييهم. الذكي يحتاجك ليتلاعب بك، والغشيم يحتاجك ليفرغ غضبه فيك، والغبي يحتاجك ليصدق أوهامه.
القوة الحقيقية تكمن في إدراكك أنك تملك "مفتاح الصنبور". بمجرد أن تغلق صنبور ردود الأفعال والمشاعر والاهتمام، يفقد هؤلاء الثلاثة سطوتهم عليك.
لا تضيع عمرك في محاولة تحليل "لماذا هم هكذا؟" أو "كيف أصلحهم؟". استثمر طاقتك في بناء حصونك النفسية، وفي الالتفات لنفسك التي ربما أهملتها طويلًا وأنت تحاول إرضاء شخص لا يرى إلا نفسه. المعرفة هي الخطوة الأولى للتحرر، وأنت اليوم قد خطوتها بنجاح.
إقرأ أيضاً على موقع لارسا:
