النرجسي عندما يراك تتألم بسببه: لماذا لا يتوقف بل يزيد من قسوته؟
(تحليل نفسي عميق)
بقلم: ليلى سليم
![]() |
دموعك قد تكون وقوداً للنرجسي، لا تمنحه هذه القوة |
أنت تنهار باكياً، صوتك يرتجف، وقلبك يكاد يتوقف من شدة الألم النفسي. تنظر إلى الشخص الذي تسبب في هذا الانهيار، شريك حياتك، أو الشخص الذي يفترض أن يكون مصدر أمانك. تتوقع أن ترى نظرة ندم، أو يد تمتد لتمسح دموعك، أو كلمة اعتذار توقف هذا النزيف. لكن بدلاً من ذلك، تصدمك الحقيقة المرعبة. أنت أمام وجه خالٍ من التعبيرات، عينان باردتان تحدقان فيك وكأنك شيء لا يعني له شيئاً، أو الأسوأ من ذلك، شبح ابتسامة خفية يرتسم على زاوية فمه.
هل يدرك النرجسي حجم الألم الذي يسببه لك؟
أول سؤال يتبادر إلى ذهنك وأنت في قمة الوجع هو: "هل هو لا يفهم؟ هل لا يرى ما يفعله بي؟". الإجابة قد تكون صادمة لك. النرجسي ليس مجنون ولا فاقد للإدراك العقلي. هو يرى دموعك، ويسمع صراخك، ويدرك تماماً أن كلماته أو أفعاله هي الخنجر الذي غرس في صدرك.
المشكلة ليست في "الإدراك"، بل في "المعالجة". الشخص الطبيعي يمتلك نوعين من التعاطف:
- التعاطف المعرفي: وهو القدرة على معرفة أن الشخص الآخر يتألم.
- التعاطف العاطفي: وهو القدرة على "الشعور" بألم الآخر والتأثر به.
النرجسي يمتلك الأول ببراعة، ويفتقد الثاني تماماً. هو يعرف أنك تتألم، بل ويستطيع وصف ألمك بدقة، لكنه لا يشعر به. هذا الانفصال هو ما يجعله قادراً على مشاهدتك تنهار دون أن يتحرك له جفن. بالنسبة له، أنت لست شخص مستقل له مشاعر، بل أنت "امتداد" له أو "شاشة" يعرض عليها سطوته. عندما تتألم، فإن الشاشة تعمل، وهذا كل ما يهمه.
لماذا يعتبر ألمك "وجبة دسمة" للوقود النرجسي؟
لفهم سبب عدم توقف النرجسي عن إيذائك، يجب أن تفهم مفهوم "الوقود النرجسي". النرجسي كائن فارغ من الداخل، يحتاج باستمرار إلى تأكيد وجوده وعظمته من خلال ردود أفعال الآخرين.
قد تعتقد أن الوقود النرجسي هو فقط المدح والإطراء. هذا صحيح، لكنه "الوقود الإيجابي". هناك نوع آخر أكثر كثافة وتأثيراً، وهو "الوقود السلبي". ألمك، دموعك، غضبك، محاولاتك للدفاع عن نفسك، توسلاتك له بأن يتوقف.. كل هذه الأمور تخبر النرجسي رسالة واحدة قوية: "أنا مؤثر.. أنا مسيطر.. أنا مركز كونك".
عندما يراك تتألم بسببه، يشعر بنشوة القوة. فكرة أنه يمتلك القدرة على التلاعب بمشاعرك لدرجة الانهيار تمنحه شعوراً زائفاً بالألوهية والسيطرة. لو توقف عن إيذائك بمجرد أن بكيت، فهذا يعني (في منطقه الملتوي) أنه خضع لمشاعرك، والنرجسي لا يخضع، النرجسي يُخضع الآخرين.
كيف يختلف رد فعل الرجل النرجسي عن المرأة النرجسية عند رؤية الألم؟
رغم أن الجوهر واحد (انعدام التعاطف والرغبة في السيطرة)، إلا أن أسلوب التعبير عن هذه السادية يختلف باختلاف الجنس والتربية المجتمعية. دعنا نحلل كيف يتصرف كل منهما عندما يرى شريكه يتألم:
1. الرجل النرجسي: الجلاد الصريح
عندما يرى الرجل النرجسي شريكته أو ضحيته تتألم، غالباً ما يميل إلى ردود فعل تتسم بالعدوانية المباشرة أو الاحتقار العلني:
- الاحتقار للضعف: الرجل النرجسي مبرمج على كره الضعف (لأنه يكره ضعفه الداخلي). عندما تبكين أمامه، قد يصرخ في وجهك قائلاً: "توقفي عن هذه الدراما!" أو "أنتِ حساسة جداً ولا تطاقين". هو يرى ألمك عيباً فيكِ وليس نتيجة لفعله.
- زيادة الجرعة: في كثير من الأحيان، إذا رآك تتألم، قد يزيد من حدة الهجوم. قد يبدأ بالسخرية من طريقة بكائك، أو يقلد صوتك بشكل مهين. هذا السلوك السادي يهدف إلى كسرك تماماً حتى تتوقفي عن المقاومة.
- الانسحاب العقابي: قد يتركك في قمة انهيارك ويخرج من المنزل، أو يذهب للنوم ببرود تام، تاركاً إياكِ تأكلين نفسك بالتفكير. هذه الرسالة تقول: "ألمك لا يستحق حتى وقتي".
2. المرأة النرجسية: الأفعى الناعمة
المرأة النرجسية أكثر دهاءً في التعامل مع ألم الضحية. هي غالباً ما تستخدم التلاعب النفسي المعقد بدلاً من العدوانية الجسدية أو اللفظية المباشرة:
- لعب دور الضحية العكسي: عندما يواجهها الرجل بألم تسببت فيه، تقلب الطاولة فوراً. قد تبكي هي وتقول: "انظر كيف جعلتني أشعر بالذنب. أنت دائماً تتهمني". فجأة، تجد نفسك أنت من يعتذر لها رغم أنك المجروح.
- البرود الجليدي: المرأة النرجسية تتقن فن "النظرة الخاوية". قد تنظر إليك وأنت تتألم وكأنها تنظر إلى قطعة أثاث، ثم تكمل وضع طلاء الأظافر أو تصفح الهاتف. هذا التجاهل المتعمد يهدف لضرب رجولتك وإشعارك بأنك غير مرئي.
- استخدام الألم ضدك: في وقت لاحق، ستستخدم لحظات ضعفك هذه للتشهير بك. قد تخبر الأصدقاء أو العائلة: "إنه غير متزن نفسياً، لقد انهار وبكى كالطفل البارحة بلا سبب". هي توثق ألمك لتستخدمه كدليل إدانة ضدك لاحقاً.
هل يشعر النرجسي بالسعادة عندما يراك تتألم؟
هذا هو الجزء المظلم الذي يصعب على النفس البشرية السوية استيعابه. هل توجد "سادية" لدى النرجسي؟ الإجابة المختصرة هي: نعم، غالباً.
هناك مصطلح في علم النفس يسمى "الشماتة" (Schadenfreude)، وهو الشعور بالمتعة عند رؤية مصائب الآخرين. لدى النرجسي، وخصوصاً النرجسي الخبيث (Malignant Narcissist)، يتطور هذا الشعور. رؤيتك محطماً تعني له أنه "انتصر".
في الصراعات، يرى النرجسي العلاقة كحلبة مصارعة. لا يوجد تعادل، ولا يوجد حل وسط. يوجد رابح وخاسر. لكي يكون هو الرابح (القوي، المسيطر، الذي لا يتأثر)، يجب أن تكون أنت الخاسر (الضعيف، المتألم، المنهار). لذلك، ابتسامته الخفية التي قد تلمحها وسط دموعك ليست وهماً، إنها ابتسامة الانتصار وتأكيد الذات على حساب حطامك النفسي.
لماذا لا يتوقف حتى عندما تتوسل إليه؟
قد تعتقد بسذاجة طيبة أنك إذا أظهرت له أقصى درجات الخضوع، وإذا قلت له: "أرجوك، أنا أموت من الألم، توقف"، فإنه سيشفق عليك. لكن الواقع مع النرجسي عكس ذلك تماماً.
التوسل للنرجسي يعمل كالتالي:
- تأكيد السيطرة: توسلك هو اعتراف صريح وواضح بأن مفاتيح استقرارك النفسي في جيبه. هذا يغذي غروره لأقصى درجة. لماذا يوقف مصدراً يمنحه كل هذا الشعور بالعظمة؟
- الاشمئزاز: النرجسي لا يحترم الضعفاء. عندما تتوسل، أنت في نظره شخص "مثير للشفقة" لا يستحق الاحترام. وهذا يبرر له داخلياً الاستمرار في القسوة، لأنه يقنع نفسه أنك تستحق ما يحدث لك بسبب ضعفك.
- اختبار الحدود: عدم توقفه هو اختبار لمدى تحملك. هو يريد أن يعرف: إلى أي مدى يمكنني أن أذهب في إيذائك وستظل باقياً معي؟ كل مرة تسامحه فيها بعد نوبة ألم، أنت تمنحه الإذن للذهاب أبعد في المرة القادمة.
لتقريب الصورة أكثر، دعنا نستعرض سيناريوهين واقعيين يوضحان هذا السلوك:
السيناريو الأول: الصمت العقابي القاتل
تحدث مشكلة بسيطة، فيقرر النرجسي معاقبتك بالصمت. تمر أيام وهو يتجاهل وجودك تماماً، يمر بجانبك كأنك هواء. أنت تبدأ في الانهيار، ترسل رسائل طويلة، تعتذر عن أخطاء لم ترتكبها، وتسأله باكياً: "لماذا تفعل هذا بي؟". هو يقرأ الرسائل، يرى وجهك الشاحب، ويسمع نحيبك في الغرفة المجاورة.
ماذا يفعل؟ يذهب ليعد لنفسه كوباً من القهوة بهدوء، وربما يدندن لحناً، ثم يخرج مع أصدقائه. هو يراك تتألم، لكن استمتاعه برؤيتك تركض خلفه وتنهار لطلبه يفوق أي رغبة في حل المشكلة.
السيناريو الثاني: الإهانة العلنية
في تجمع عائلي، يلقي النرجسي نكتة جارحة عنك أو عن مظهرك. يضحك الجميع، لكنك تشعر بالخنجر في قلبك. تحاول أن تتماسك، لكن عينيك تدمع. تهمس له: "أرجوك، هذا يجرحني".
ماذا يفعل؟ بدلاً من التوقف، يرفع صوته ويقول أمام الجميع: "ياااا، لا يمكن لأحد أن يمزح معك لماذا أنت نكدي هكذا؟". هو يرى ألمك، وبدلاً من احترامه، يستخدمه مادة دسمة ليظهر هو بمظهر "الشخص المرح" ويظهرك أنت بمظهر "الشخص المعقد"، مما يمنحه تفوقاً اجتماعياً ووقوداً نرجسياً في آن واحد.
ماذا يحدث إذا لم تتألم؟ (السر الذي يخيف النرجسي)
الآن، وبعد أن فهمنا أن ألمك هو وقود له، ماذا لو قطعت هذا الوقود؟ ماذا لو نظر إليك وأنت تتألم، فلم يجد دموعاً، ولم يجد توسلاً، بل وجد وجهاً محايداً وهدوءاً ثلجياً؟
هنا ينقلب السحر على الساحر.
عندما تحرم النرجسي من رد الفعل (سواء كان ألماً أو غضباً)، يصاب بما يسمى "الجرح النرجسي". يشعر بالذعر. هل فقدت السيطرة؟ هل لم أعد مؤثراً؟
في هذه الحالة، قد يحاول التصعيد الجنوني لاستخراج أي رد فعل منك، وإذا فشل، قد يتحول إلى دور الضحية لاستعطافك، أو يتركك ليبحث عن ضحية أخرى أسهل في "الكسر". عدم تألمك الظاهري (حتى لو كنت تحترق من الداخل) هو السلاح الوحيد الذي يوقف دورة الاستغلال.
يجب أن تدرك حقيقة واحدة راسخة: المشكلة ليست فيك. أنت لست "حساساً زيادة عن اللزوم" كما يدعي، ولست "درامياً" كما يصفك. ألمك هو رد فعل طبيعي وصحي لإنسان يتعرض لأذى نفسي ممنهج.
النرجسي لا يتوقف عن إيذائك عندما يراك تتألم، لأنه ببساطة لا يرى "أنت". هو يرى انعكاس نفسه في حطامك. هو يرى قوته في ضعفك. انتظارك لليقظة الضميرية لديه هو انتظار لسراب لن يأتي أبداً.
الحل لا يكمن في محاولة إفهامه حجم ألمك، ولا في التوسل لقلبه المتحجر. الحل يكمن في حماية ما تبقى من روحك، في بناء جدرانك النفسية من جديد، وفي إدراك أن الشخص الذي يستمد طاقته من دموعك لا يستحق دقيقة واحدة من ابتسامتك.
تذكر دائماً، قوتك الحقيقية ليست في تغيير النرجسي، بل في القدرة على الشفاء منه، والعودة لنفسك التي كانت موجودة قبل أن يطمسها ظلامه. أنت تستحق علاقة يكون فيها ألمك سبباً لاحتضانك، لا سبباً لزيادة طعنك.
شاركنا تجربتك في التعليقات: هل مررت بموقف تجاهل فيه النرجسي ألمك ببرود؟ وكيف تصرفت حينها؟ قصتك قد تكون الدرس الذي يحتاجه شخص آخر ليعرف أنه ليس وحده.
أقرأ أيضا على موقع لارسا:
كيف يخلى عنك النرجسي؟ ٩ أشياء تجعله يشعر بالملل
تعرف على عشر أنواع من النرجسية
