قصة قصيرة (لا تسالني عن الهوية) - موقع لارسا

لا تسألني عن الهوية

قصة قصيرة كتبتها لكم

بقلم: ليلى سليم

قصة قصيرة | لا تسألني عن الهوية | الحجاب

ها هي مصممة الأزياء (عاليا) تستقل سيارتها إلى مناطق القاهرة القديمة ، مظهرها الجميل وملابسها المختارة بعناية تضيف إليها إطلالة من الأناقة والجمال.
كانت (عاليا) تستعد لإطلاق مجموعتها الأولى كمصممة أزياء محترفة في حفل الأزياء السنوي الذي سيعقد في نهاية العام. 
وإمتلاء قلبها بالسعادة وهي تُفكر برسومات الأزياء التي أنتهت منها. إحداها والعزيزة علي قلبها تصميم لفستان أسود اللون براق ياقته منخفضة قليلا بعض الشيء بتموجات منسجمة ويمتد بنعومة حتى الأقدام. 
بالنسبة لها الأزياء تحدد شخصية الإنسان ، ولذا قررت إضافة مجموعة أزياء مستوحاه من الهوية المصرية ، من المرأة المصرية العصرية. 
أخذت طريقها إلى أكثر المناطق شعبية والتي يذهب إليها أغلب طبقات المجتمع - العتبة ، الغوريا و الحُسين. كان المكان مزدحمُا جدُا بالمارة من الناس ، والبائعين يملؤن المكان بصراخهم ومنهم من استخدام الأبواق لترويج بضائعهم المعروضة.
ركنت عاليا سيارتها في أحد الأزقة الضيقة وسارت على الرصيف بين الناس. أنها منطقة متفردة عابقة برائحة العطور الزيتية والبخور المخلوط بالتوابل التي من النادر وجودها في أي مكان ، ورائحة الكبدة المقلية والحمام المحشي تنبعث مع الموسيقى الخارجة من المحلات ومداخل المنازل القديمة تعج بالشباب المرح الذين يرحبون بزوار المكان. 
توقفت (عاليا)علي الرصيف ونظرت إلى المساجد الموجودة في كل مكان تعلوها المآذن كأنها أشجار ضخمة متشابكة تخفي ضوء الشمس خلفها. عبرت الشارع واختلطت مع جموع المشاة.
وبوصفها مصممة أزياء فأن ملاحظة الملابس تعني لها الكثير من الاستمتاع. رأت الشابات الصغيرات السن يرتدين ملابس ملونة ، وبشكل أدق ، أغلبهن يرتدين البنطلون مع قميص فضفاض وعلى رأسهن الحجاب أو أي غطاء للرأس بألوان زاهية متناقضة مع بشرتهم السمراء وعيونهم السوداء المعبرة ، بينما السيدات الأكبر سناً يرتدين ملابس قاتمة اللون فضفاضة طويلة ذات طيات. وأغلب الملابس المعروضة في المحلات من نفس الطراز بشكل عام. 
وجدت محل ملابس متخصص يحمل لافتة "ملابس الأنوار للمحجبات - الحاج أبو مصعب"
داخل المحل عرضت مجموعات مختلفة من ملابس المحجبات وإسدالات الصلاة والعبايات الخليجية ، الباكستنية ، الإيرانية والأفغانية ، باللون الأسود والأسود المطرز بالأحجار والأسود المطعم بالذهبي ، وبعض القطع ذات اللون الواحد القاتم ، بالإضافة إلى كافة أشكال الحجاب والخمار والنقاب وغيرها.
أمسكت بيديها أحدى قطع النقاب تتلمس نعومة خامتها. سمعت صوت (أبو مصعب) من خلفها يحدثها بصوت عال: "ما شاء الله اختارتي أفضل قطعة في المحل - النقاااااب".
التفتت إليه ، وتابع بصوته القوي ووجهه المبتسم: "تبارك الله في هذا الجمال…. أنا خايف على هذا الوجه الجميل من الذنوب…. لذلك سأعرض عليكي عرض… اذا ارتديت النقاب اليوم واللهي لا أعطيه لك مجانًا هدية ولن أخذ أي مقابل كفاية أنك كسبتي ثواب". ردت بسرعة: "أعذرني.. لما علّى أن أرتدي النقاب وأنا محجبة كما ترى؟" ، قال: "هذه الملابس ليست بصحيح الحجاب…. فأنتي سافرة …..والنقاب هو عنوان الدين الصحيح هو العفة والحشمة". تأثرت (عاليا) بكلماته وتلاعبت بها الأفكار ، كلامه غير مقنع ولكن قد يكون النقاب هو مفهوم الهوية الحقيقية كما قال؟!. 
لمعت عينها وكأنها طفلة بريئة وفكرت في ما إذا كانت مجنونة ولكنها قبلت التجربة ، ودخلت إلى غرفة القياس وارتدت عبائة فضفاضة سوداء مع خمار أسود يصل حتي الخصر وبرقع على الوجهه وقفازات طويلة غامقة اللون. رفضت عرض الهدية وأصرت علي سداد قيمة الزي بالكامل ، (أبو مصعب) بدوره صمم علي اعطائها رقم هاتفه. 
في الخارج ، شعرت بأن خطواتها اختلفت وأن طريقة مشيها أصبحت أبطىء لإختلاف زاوية العين ، وإنها لم تعد ترى نفسها وهي تسير. مرت على محلات أدوات الزينة ولكنها لم تستطع تجربة أى شىء لأنها لم تتمكن من رفع نقابها أمام الناس ، ولم يعد بالإمكان شم رائحة العطور العبقة. 
شعرت بالتعب فقررت الجلوس علي أحد المقاهي التي تعج بها المنطقة ، رأت العديد من النساء والرجال يدخنون الشيشة. اختارت طاولة في أحد الزوايا وطلبت مشروب بارد مع شيشة علي الرغم من أنها لا تدخن في حياتها العادية ، ولكنها اعتبرتها نوعا من باقي التجربة. 
ترأى إلى مسمعها همسات من حولها وكأنهم يتسألون عن هويتها. من هذه السيدة المنقبة التي تجلس وحيدة تدخن الشيشة في مقهى بالحسين؟ .. سمعت أحدهم: "لابد أنها ثرية من الخليج." وحديث آخر: "كيف يكون شكلها يا ترى؟" وآخر "لابد أن يكون معها راجل."
زادت هذه المشاهد من ضيقها ، وأدركت بأن بينها وبين الناس حاجز ، وأنه من الصعب أن يتعرف عليها أحد … استوت في جلستها متشنجة وجالت ببصرها في رواد المقهى وشعرت بالتوتر والخوف من نظرات الناس ، وسمعت نبضات قلبها تخفق بسرعة.
قالت لنفسها: "حسناً . لن يضيق صدري مما حدث ، لقد خدعت نفسي وأصبحت غريبة في لحظة عندما صدقت (أبو مصعب) وتركته يتلاعب بأفكاري ، هو كل همه أن يفرض رأيه ومن ثَم رغباته)" ، وببطء طلبت دفع الفاتورة وانصرفت باحثة عن أماكن أخرى.
google-playkhamsatmostaqltradent